الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo

تعود هجمات داعش لتتصدر المشهد العراقي، مع سيطرة التنظيم ولأول مرة منذ 2017 على قرية بمدينة كركوك،  وثلاث هجمات دموية خلال الأسبوع الماضي على قوات البشمركة الكردية شمالي العراق، كان أعنفها الجمعة في قضاء مخمور، جَنُوب أربيل، وأسفر عن مقتل 13 شخصا من بينهم 10 جنود.

ورغم إعلان العراق قبل أربعة أعوام، هزيمة تنظيم "داعش" وانتهاء الحرب رسمياً، لكن السنوات اللاحقة كانت مليئة بهجمات للتنظيم أودت بحياة العديد من العسكريين والمدنيين.

حالياً مع هجمات أكثر عنفاً، تتعزز المخاوف من عودة التنظيم الإرهابي، ولاسيما مع انسحاب التحالف الدَّوْليّ من البلاد والإعلان عن انتهاء مهامه.

اقرأ أيضاً: بنسبة 33%.. صعود باحتياطيات العملات الأجنبية في العراق

صادف يوم الجمعة في 10 ديسمبر، مرور أربع سنوات على ذكرى إعلان القضاء على داعش عام  2017، وقتئذٍ، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، سيطرة قوات الجيش كاملاً على الحدود السورية العراقية، مؤكداً انتهاء الحرب ضد "داعش". 

واستولى داعش على ثلثي مساحة العراق في عام 2014 قبل أن يُمنى بهزائم متتالية في معارك أشعلت البشمركة شرارتها الأولى وتبعتها بعد ذلك القوات العراقية.

بينما احتفل العراق بالذكرى الرابعة لإعلان "النصر" على تنظيم داعش، وجّه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، يوم الجمعة 10 ديسمبر 2021، التحية لقوات الجيش "التي حررت الأرض وأنجزت النصر".

وكتب الكاظمي في تغريدة على حسابه في "تويتر": "نهنئ أبناء شعبنا وقواتنا الأمنية البطلة بالذكرى الرابعة لإعلان النصر على عصابات داعش الإرهابية".

وأضاف: "سلاماً للدماء الزكية التي حررت الأرض ووحدت العراقيين وأنجزت النصر، لن نتساهل مع من يحاول زعزعة أمن مواطنينا واختطاف كرامتهم وسنواصل زخم الانتصار على هذا التنظيم الظلامي واقتلاع جذوره".

هل انتهى داعش؟

تزامناً مع الذكرى الرابعة لإعلان النصر على داعش، مُني العراق خلال الأسبوع الماضي، بثلاث هجمات دامية لـ"داعش" على قوات البشمركة الكردية شمالي البلال، كان أعنفها الجمعة في العاشر من ديسمبر الحالي في قضاء مخمور، جَنُوب أربيل، وأسفر عن مقتل 13 شخصاً من بينهم 10 جنود.

في أعقاب الهجوم، سيطر مسلحو داعش على قرية "لهيبان" بقضاء الدبس في محافظة كركوك، شمالي العراق لوقت مؤقت، قبل أن تتمكن قوات النخبة في الداخلية ومقاتلو البشمركة، في ساعة مبكرة من فجر الاثنين من استعادة السيطرة على القرية، رغم أن المسلحين فخخوا بعض المنازل بعبوات ناسفة.

وتقع "لهيبان" في منطقة نائية متنازع عليها بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة أربيل في إقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بالحكم الذاتي.

ارتفاع الهجمات في الآونة الأخيرة يثير الشكوك حول الانتصار على تنظيم داعش فعلاً، وفي هذا الصدد، يعتبر  الباحث الأكاديمي مجاهد الصميدعي وهو باحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في حديثه لـ "ليفانت نيوز" بأنّ هناك مؤشرات على عودة تنظيم داعش للحياة.

العراق.. داعش/ أرشيفية

يقول الصميدعي: "إنّ التنظيم استطاع بعد انتهاء عمليات التحرير من "داعش" في ديسمبر من العام ٢٠١٧، وبطريقة تدريجية إعادة تنظيم نفسه من جديد، وبمرور الوقت تمكّن من إعادة بناء حواضن جديدة وأماكن تمركز،  وبعد مرور أربع سنوات على التحرير  تمكن التنظيم من تنفيذ عمليات في كركوك، وديالى وصلاح الدين وفي الأنبار، وعمليات نوعية أخرى كذلك".

ويضيف: "لقد بدأ التنظيم الاقتراب من بغداد وتنفيذ عمليات إرهابية في الطارمية وأبو غريب وفي داخل بغداد عن طريق إرهابيين اثنين حيث نفّذا عملية انتحارية في منطقة الباب الشرجي، مؤخراً أعاد التنظيم إحياء "مؤسسة الفرقان" الذراع الإعلامي التابعة له، مما يعطي مؤشراً واضحاً على استعادة التنظيم للحياة مرة أخرى بعد مرور أربع سنوات من القضاء عليه بالكامل."

يحافظ تنظيم "داعش" على وجود سري كبير في العراق وسوريا، ويُشكل خطراً مستمراً على جانبي الحدود بين البلدين، مع امتداد فلوله على الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقاً.  وفق تقرير للأمم المتحدة في فبراير الماضي.

وقدّر التقرير بأن تنظيم "داعش" ما يزال يحتفظ بما مجموعه 10 آلاف مقاتل "ناشط" في البلدين الجارين.

وشنت فلول "داعش" مئات الهجمات وَسْط البلاد وشمالها، بلغت أحياناً قلب العاصمة بغداد، حيث عاد التنظيم إلى أسلوبه القديم في التخفي وشن الهجمات الخاطفة على طريقة حرب العصابات.

لمواجهة فلول التنظيم، شنت الحكومة، وما تزال، عشرات الحملات الأمنية والعسكرية بإسناد ودعم دوي قدمته قوات التحالف الدَّوْليّ.

اقرأ أيضاً: العراق.. شد وجذب لإنفاق 3 ملايين دولار على محمد رمضان

والأسبوع الماضي، اجتمع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني في أربيل، الأربعاء، 08 كانون الأول، 2021، بشأن العمليات المشتركة.

وناقش الطرفان الهجمات الأخيرة التي شنها "داعش"، وأهمية تكثيف الجهود والقدرات، وتقوية التنسيق بين البيشمركة والجيش العراقي من اجل إنهاء التهديد الذي يشكله "داعش"، تزامنت الزيارة مع انطلاق عملية مشتركة بين قوات البيشمركة والجيش العراقي، لتطهير ومسح مناطق، في محورين، الأول كرماسير، والمحور الثاني، في قره تبه، من عناصر داعش، بالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة.

الفصائل الرافضة للانتخابات

يأتي ذلك في وقت حرج يمرّ فيه العراق، مع رفض أطراف شيعية تمتلك أذرعاً مسلحة لنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبدأت بالتصعيد وتحريك جمهورها للنزول إلى الشارع.

أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز الكتلة الصدرية بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بأكثر من 70 مقعداً، ما يؤهله إلى تشكيل الحكومة الاتحادية بالتحالف مع قِوَى سياسية فائزة من الكورد والسنة، وهذا ما أثار امتعاض الأطراف الشيعية المناوئة للصدر.

بعد الإعلان عن النتائج، تعرّض رئيس الوزراء العراقي الكاظمي لمحاولة في 7 نوفمبر 2021، حسب ما أفادت القوات المسلحة العراقية، حيث هاجمت طائرة مسيرة مفخخة منزله في بغداد. وأصيب عدد من أفراد أمنه بجروح. قبل أن ينجو الكاظمي من هذه المحاولة.

ورغم عدم توجيه لجنة التحقيق المختصة بالبحث في محاولة الاغتيال أي تهم  لأي شخصية أو جهة، ذكرت مصادر لوكالة “رويترز” بعد وقوع محاولة الاغتيال أن: “​الطائرات المسيرة​ والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع”، كما خرجت معلومات من جهات مقرّبة من الكاظمي تُشير إلى أن المسيرات سبق أن قُدّمت للكاظمي في العرض العسكري الذي أقامه الحشد الشعبي في ذكرى تأسيسه.

اقرأ أيضاً: الكاظمي يعلن أن قوات التحالف ستغادر العراق خلال أيام

واجهت قوات الأمن العراقية، تحدياً جديداً يتمثل بلجوء "فرق الموت" التابعة للفصائل المسلحة، إلى محاكاة أسلوب تنظيم "داعش"، عبر الهجمات الدموية، وتفخيخ العجلات، في مواجهة خصومها وتصفية المعارضين.

وتفاجأت الأوساط العراقية، بإعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأربعاء 8 ديسمبر 2021، أن الانفجار الذي قتل 4 أشخاص، الثلاثاء 7 ديسمبر، في البصرة، كان يستهدف ضابطاً في القوات الأمنية.

وقُتل 4 أشخاص في الأقل وأُصيب 4 آخرون بجروح، الثلاثاء، في انفجار دراجة نارية مفخخة قرب مستشفى في وَسَط البصرة، كبرى مدن جَنُوب العراق، وفق ما ذكرت قوات الأمن. ولم تتبن حتى الساعة أي جهة التفجير.

وقال الكاظمي في كلمة، الأربعاء: "شاهدنا بالأمس محاولة لاغتيال أحد الضباط في البصرة، لأنه كان يبحث عن الجناة ويبحث عن فرق الموت".

أكدت السلطات العراقية، أنّ المستهدف بانفجار تقاطع الصمود في محافظة البصرة جنوبَ البلاد، ضابط أمن كان مكلفا بالتحقيق في حادثة اغتيال الصحفيين أحمد عبد الصمد، وصفاء غالي، مطلع عام 2020.

وقتل الصحفيان بسبب تغطيتهما المتعاطفة مع التظاهرات التي شهدها العراق لأكثر من عام، حَسَبَ زملاء لهما وناشطين من محافظة البصرة.

في ظل ذلك، "عادة ما يستغل تنظيم داعش المشاكل السياسية في العراق لينظّم هجمات منسقة ضد الأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها" يقول الباحث الأكاديمي مجاهد الصميدعي لـ "ليفانت نيوز"، ويضيف: "وذلك نتيجة لتأثر الأجهزة بالصراعات السياسية وضعف المراقبة والمتابعة الاستخبارية لعمليات التنظيم ما يؤدي لاختراقات أمنية يستغلها التنظيم لتنفيذ عمليات ضدها، على هذا كلما ازداد الخلاف السياسي كلما زادت عمليات التنظيم."

يحاول التنظيم إثبات نفسه مستفيداً من هذه الضبابية السياسية والأمنية، ويشن عمليات قتل وترهيب في "الخاصرة الرخوة" ما بين حدود إقليم كوردستان والحدود الاتحادية للعراق.

بعد انسحاب التحالف

في يوليو الماضي، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد محادثات أجراها في البيت الأبيض مع رئيس وزراء العراقي مصطفى الكاظمي. أن الولايات المتحدة ستنهي مهمتها القتالية في العراق بحلول نهاية العام الجاري، مع استمرار عدد من قواتها لتولي مهام تدريب الجيش العراقي وإمداده بالاستشارات العسكرية.

في حين أكّد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، السبت 11 ديسمبر الحالي، إن انسحاب قوات التحالف الدَّوْليّ لمحاربة داعش من العراق سيكون "خلال أيام". مضيفاً خلال كلمته باحتفالية مئوية الدولة العراقية في بغداد: "لن نسمح بمساس أمن واستقرار العراقيين".

الرئيس الأميركي جو بايدن. shutterstock

في الوقت الحالي، توجد قوات أمريكية قوامها 2500 جندي في العراق لمساعدة القوات المحلية في مواجهة ما تبقى من عناصر تنظيم الدولة. والأسبوع الماضي، كشف قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، أن واشنطن ستبقي القوات الحالية البالغ عددها 2500 جندي في البلاد.

يثير انسحاب التحالف الدُّوَليّ من العراق المخاوف من عودة التنظيم للحياة ولاسيما مع الوضع السياسي القلق في البلاد، وفي هذا الصدد يرى  الباحث الأكاديمي مجاهد الصميدعي: "أنّ انسحاب القوات الأمريكية من العراق سيؤثر بشكل كبير على العمليات الأمنية بالعراق وعلى سلوك الأجهزة الأمنية العراقية، نظراً لكون التحالف يوفر غطاءً جوياً فعالاً للأجهزة الأمنية العراقية، بما توفره من الطائرات المسيرة دون طيار، و الطائرات المقاتلة لتنفيذ عمليات دقيقة على أهداف للتنظيم، كذلك صور الأقمار الاصطناعية للأماكن التي ينشط بها التنظيم في العراق، إلى جانب الدعم اللوجستي للأجهزة الأمنية العراقية وعمليات التدريب المستمرة للأجهزة الأمنية العراقية."

اقرأ أيضاً: الطيران الحربي العراقي يدمّر وكرين لـ"داعش" في كركوك

ويضيف الصميدعي أنّ: "أهم معضلة في الانسحاب الأمريكي هو خسارة الجهد الاستخباري الذي يعتمد عليه العراق بصورة كبيرة في تنفيذ عمليات استباقية للتنظيم." مشيراً إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيكون له تأثير كبير على سلوك وإمكانات الأجهزة الأمنية العراقية في مقاتلة داعش".

وتشير التوقعات حسب الصميدعي، بزيادة هجمات التنظيم خلال الفترة المباشرة لانسحاب القوات الأمريكية، والغاية منها التأثير على الحالة النفسية للأجهزة الأمنية مما يفقدها تركيزها بالكامل، ما يزيد من نسبة الخروقات الأمنية التي ستؤدي بدورها إلى ضعف الجهد آلاستخباري بالكامل مما يعطي التنظيم الأفضلية في الهجمات،

يذهب الصميدعي إلى أبعد من ذلك، متوقعاً بعد مرور سنة أو أكثر على الانسحاب، احتمالية حدوث سيطرة للتنظيم على أراضٍ قد تتمثل باحتلال مدن كاملة كما حدث في عام ٢٠١٤.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2020، صوّت البرلمان العراقي لصالح قرار يُطالب بإخراج القوات الأجنبية، بما فيها الأمريكية، من البلاد، وذلك بعد يومين من ضربة جوية أمريكية أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس.    

عبير صارم

ليفانت نيوز_ خاص

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!